responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 33
وَالِاسْتِيلَاءِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ تَعَالَى بَشَّرَ بِذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ أَنَّ يُبَشِّرَ إِلَّا بِأَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ غَيْرِ حَاصِلٍ، وَظُهُورُ هَذَا الدِّينِ بِالْحُجَّةِ مُقَرَّرٌ مَعْلُومٌ، فالواجب جمله عَلَى الظُّهُورِ بِالْغَلَبَةِ.
فَإِنْ قِيلَ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ: لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ يَقْتَضِي كَوْنَهُ غَالِبًا لِكُلِّ الْأَدْيَانِ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الْإِسْلَامَ لَمْ يَصِرْ غَالِبًا لِسَائِرِ الْأَدْيَانِ فِي أَرْضِ الْهِنْدِ وَالصِّينِ وَالرُّومِ، وَسَائِرِ أَرَاضِي الْكَفَرَةِ.
قُلْنَا أَجَابُوا عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَا دِينَ بِخِلَافِ الْإِسْلَامِ إِلَّا وَقَدْ قَهَرَهُمُ الْمُسْلِمُونَ وَظَهَرُوا عَلَيْهِمْ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فِي جَمِيعِ مَوَاضِعِهِمْ، فَقَهَرُوا الْيَهُودَ وَأَخْرَجُوهُمْ مِنْ بِلَادِ الْعَرَبِ، وَغَلَبُوا النَّصَارَى عَلَى بِلَادِ الشَّامِ وَمَا وَالَاهَا إِلَى نَاحِيَةِ الرُّومِ وَالْغَرْبِ، وَغَلَبُوا الْمَجُوسَ عَلَى مُلْكِهِمْ، وَغَلَبُوا عُبَّادَ الْأَصْنَامِ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ بِلَادِهِمْ مِمَّا يَلِي التُّرْكَ وَالْهِنْدَ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأَدْيَانِ فَثَبَتَ أَنَّ الَّذِي أَخْبَرَ اللَّه عَنْهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَدْ وَقَعَ وَحَصَلَ وَكَانَ ذَلِكَ إِخْبَارًا عَنِ الْغَيْبِ فَكَانَ مُعْجِزًا.
الْوَجْهُ الثَّانِي: فِي الْجَوَابِ أَنْ نَقُولَ: رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: هَذَا وَعْدٌ مِنَ اللَّهِ بِأَنَّهُ تَعَالَى يَجْعَلُ الْإِسْلَامَ عَالِيًا عَلَى جَمِيعِ الْأَدْيَانِ. وَتَمَامُ هَذَا إِنَّمَا يَحْصُلُ عِنْدَ خُرُوجِ عِيسَى، وَقَالَ السُّدِّيُّ: ذَلِكَ عِنْدَ خُرُوجِ الْمَهْدِيِّ، لَا يَبْقَى أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ أَوْ أَدَّى الْخَرَاجَ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: الْمُرَادُ: لِيُظْهِرَ الْإِسْلَامَ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ تَعَالَى مَا أَبْقَى فِيهَا أَحَدًا مِنَ الْكُفَّارِ.
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ: لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ أَنْ يُوقِفَهُ عَلَى جَمِيعِ شَرَائِعِ الدِّينِ وَيُطْلِعَهُ عَلَيْهَا بِالْكُلِّيَّةِ حَتَّى لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهَا شَيْءٌ.
الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ: لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ بِالْحُجَّةِ وَالْبَيَانِ إِلَّا أَنَّ هَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ هَذَا وَعْدٌ بِأَنَّهُ تَعَالَى سَيَفْعَلُهُ وَالتَّقْوِيَةُ بِالْحُجَّةِ وَالْبَيَانِ كَانَتْ حَاصِلَةً مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ فِي مَبْدَأِ الْأَمْرِ كَثُرَتِ الشُّبُهَاتُ بِسَبَبِ ضَعْفِ الْمُؤْمِنِينَ/ وَاسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ، وَمَنْعِ الْكُفَّارِ سَائِرَ النَّاسِ مِنَ التَّأَمُّلِ فِي تِلْكَ الدَّلَائِلِ. أَمَّا بَعْدَ قُوَّةِ دَوْلَةِ الْإِسْلَامِ عَجَزَتِ الْكُفَّارُ فَضَعُفَتِ الشُّبُهَاتُ، فَقَوِيَ ظُهُورُ دَلَائِلِ الْإِسْلَامِ، فَكَانَ الْمُرَادُ مِنْ تِلْكَ الْبِشَارَةِ هَذِهِ الزِّيَادَةُ.

[سورة التوبة (9) : الآيات 34 الى 35]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35)
[في قوله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ] اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا وَصَفَ رُؤَسَاءَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بِالتَّكَبُّرِ وَالتَّجَبُّرِ وَادِّعَاءِ الرُّبُوبِيَّةِ وَالتَّرَفُّعِ عَلَى الْخَلْقِ، وَصَفَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِالطَّمَعِ وَالْحِرْصِ عَلَى أَخْذِ أَمْوَالِ النَّاسِ، تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ إِظْهَارِ تِلْكَ الرُّبُوبِيَّةِ

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 33
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست